خالد العوامي يكتب: صرخة في وجه مصير داكن وصوت عاقل آت من أرض عمر المختار

خالد العوامي
خالد العوامي

«الثقافة».. صرخة من البشر في وجه مصير داكن، هي نوع من الإرادة الباعثة على التمرد ضد أي أوضاع بالية، هي الوعي الجمعي والتاريخي الذي يعد جزءً محورياً من ثقافة أي أمة تبغي إصلاح حاضرها وبناء مستقبلها، باختصار هي مصدر وعي وإلهام في أوقات اليأس الخانقة، وفأس لتحطيم شريان البحر المتجمد بأي بقعة في أرض الله الواسعة. 

ويبدو أن القوات المسلحة الليبية بقيادة المشير خليفة حفتر القائد العام، كانت تضع نصب عينيها تلك المعاني وهي تدشن «معرض بنغازي الدولي للكتاب»، الذي تجري فعالياته الآن فوق الأرض الليبية، الأمر الذي يجعل منه حدثاً استثنائيا في ظل ظروف صعبة تمر بها البلاد، ويعد أيضاً بمثابة صوت عاقل جديد آت الينا من أرض عمر المختار.

على مر عقد من الزمن لم نكن نسمع في ليبيا سوى صوت الرصاص والبارود، لم نكن نشتم سوى رائحة القتل والموت، لم نكن نرى سوى صور الدم والجثث والموتي في كل الطرقات، ويبدو أن الحال بدأ يتغير رويداً رويداً، في ظل وجود إرادة باعثة في الداخل الليبي لتغيير أوضاع باتت كريهة لكل مكونات الشعب، وبدلاً من ان يكون السلاح وسيلة التغيير ستكون الثقافة والكتاب والكلمة سلاحاً لتغيير معتقدات خاطئة، بل ومتطرفة تسكن عقول أطراف تؤجج الصراع وتنثر الفتن في شتي ارجاء البلاد.

وإذا كان الانسان يخاف القوة لكنه يحترم الكلمة، وما أبعد المسافة بين الخوف والاحترام، هكذا قال أديبنا وشاعرنا العظيم فاروق جويدة، وهنا تكمن الأهمية القصوي لمعرض بنغازي الدولي للكتاب، بإعتباره خطوة عملية علي الأرض لترسيخ ثقافة مشاركة الفكر بين الناس، وخلق وعياً جماعياً يعدل الميزان المائل بأرض تجرف ثرواتها لصالح أطراف متآمرة.

فالظمأ ليس بالضرورة أن يكون متمثلاً في حاجتنا إلى الماء، بل حاجتنا إلى كلمة تروي أرواحاً تكاد تكون أشبه بصحراء قاحلة، فما تحدثه الكلمة والثقافة في العقول تعجز عنه طلقات الرصاص، لذا أحسب أن شعار المرحلة في ليبيا الآن: إما أن نكون عبيداً بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ  أو نكون أحراراً  كالطيور.

«ولن يستقيم الظل والعود أعوج»، ولعل الراصد لتصريحات عدد من القادة الطبيعيين في ليبيا، يلمس أهمية وحجم الحدث الفكري الدولي المنعقد في بنغازي لإصلاح العوج المائل، فما قاله مدير إدارة التوجيه المعنوي ورئيس لجنة تنظيم المعرض اللواء خالد المحجوب يعكس إصرار القيادة علي ضرب الفكر الأعوج بفكر أخر معتدل، مؤكداً علي ان المعرض سلاح يحارب الغزو الفكري، ويركز على الجانب الديني الذي أُستغل من قبل مجموعات متطرفة، بغرض وصولهم للسلطة وإفساد عقيدة الشباب.

وفي ذات السياق كانت كلمات المدير التنفيذي للمعرض الدكتور محمد مسعود المصباحي، والذي أوضح ان الحدث يأتي انطلاقاً من حرصنا على إثراء الحركة الثقافية وإرساء دعائمها، فلقد انتهت حربنا العسكرية ضد الإرهاب، وعلينا تعزيز السلاح الفكري لأبنائنا في مختلف أرجاء البلاد. 

.. ثم .. ثم تأتي خلاصة القول لتؤكد على أننا أمام مشهد شاسع عابر يخترق العقول والتاريخ، وأيضاً الجغرافيا، واذا كانت خيرات وثروات ليبيا تنهب، لكن الكتاب سيبقي وسيظل هو الشئ الوحيد الذي لن يسرقه اللصوص، فالكتاب نور وعربة ضوئية ترتاد الآفاق وترشد الي الحضارة، وقديماً قال المثل العربي السالف: «مجد التاجر في كيسه ومجد العالم في كراريسه». 

كاتب المقال: مدير تحرير بوابة أخبار اليوم